vendredi 20 avril 2012

تلويث الأماكن العمومية انتقام أو تربية فاسدة؟



لم يستطع المغاربة بعد أن يدركوا أن الأماكن العمومية ملك عام يجب المحافظة عليه كما يحافظ على ملكه الخاص. خذ مثلا ساحة 16 غشت بوجدة، وانظر كيف اسود وجهها الذي كان أبيض في الماضي القريب، الناس يلقون بأزبالهم في كل مكان، تجول في أزقة "لمدينة" ترى النفايات مستلقية على جنبات الأزقة، وامرر بزنقة "غوت مراكش" تزكمك الروائح الكريهة، هذه الظاهرة، ظاهرة تلويث الأماكن العمومية والأزقة والشوارع ليست ناتجة عن جهل أو قلة وعي، بل إن من يلقي الأزبال في الأماكن العمومية يعرف أن ذلك مضر ببيئته وصحته ومشوه لجمال حيه أو شارع أو حديقة مدينته، لكن مع ذلك فإنه لا يتردد في إلقاء النفايات صغيرة أو كبيرة في تلك الأماكن العمومية، فقد اعتاد المواطن أن يلقي نفايات ما يشتري من مواد يستهلكها في الشارع، حلوى، قشور عباد الشمس "الزريعة" بقايا المثلجات، وغيرها كثير، اعتاد أن يتخلص من كل ما لم يعد صالحا في عين المكان.

الحق أن هذه الظاهرة الاجتماعية لا يمكن تفسيرها بغياب الوعي، ولا حتى بقلة التربية لنقل التربية البيئية، إذ من يلقي بأزباله في الأماكن اعتاد على هذا السلوك حتى صار أمرا طبيعيا عاديا، حيث لم يعتد على أن يحتفظ بقمامته ليلقيها في الأماكن المخصصة لها، وتستثقل نفسه أن يمسك بأزباله في يديه أو أن يضعها في جيبه أو في كيس إلى أن يلقيها في الأماكن المخصصة لها. والعادات عند المغاربة من الأشياء التي يصعب تغييرها ومحوها، انظر هل تستطيع أن تقنع المغاربة بتغيير مثلا عاداتهم الغذائية؟ فلو بقيت أعواما تبين للناس أن تناول الفواكه و"السلطة" واللحم قبل ملء البطن بأشياء أخرى أفيد لصحتهم لما استطعت، انظر كيف سيستهزئ بك الضيوف لو قدمت لهم الفواكه مثلا قبل قصعات الدجاج واللحم.

أمر آخر يشجع الناس على إلقاء قماماتهم حيثما اتفق، هو البيئة نفسها، نعم البيئة لا تساعد المغاربة على تغيير سلوكهم، فبيئة بعض الشوارع والأزقة بيئة متسخة ملوثة أصلا تغري بالمساهمة في تقوية تلوثها ووسخها، فلا شك أن من يمر بأزقة مليئة بالقمامات لن يتردد في إلقاء قماماته لتتحد مع أخواتها، إذ يخاطب نفسه قائلا: ما الفائدة من التفتيش على مكان خاص بالأزبال والمزبلة أمامي؟ هذه البيئة تساعد على ترسيخ سلوك تلويث الأماكن العمومية، فالإنسان ابن بيئته كما يقول علماء الاجتماع، لذلك إذا قارنا سلوكنا تجاه أزقتنا وشوارعنا بسلوك الأوربيين مثلا علينا أن نقارن قبل ذلك أزقتنا بأزقتهم وشوارعنا بشوارعهم . فالبيئة النظيفة النقية الجميلة تفرض احترامها على أهلها، لذلك يستحي الإنسان السوي أن يلقي قماماته في بيئة نظيفة جميلة. لا شك أن هناك من المغاربة من تأنف نفسه أن تلقي بعلبة أو قنينة مادة استهلكها في الحديقة أو الشارع، فيبحث عن مكان مخصص للنفايات فيبحث ثم يبحث فلا يجد هذا المكان ثم يلقي بها متبرما نادما على بحثه الذي ربما استغرق مسافة ليست بالقصيرة.

طبعا إلى جانب أمر البيئة الطبيعية هناك أمر البيئة الفكرية والأخلاقية، فمازلنا في حاجة مستمرة إلى تحسين فكرنا وأخلاقنا، فهناك شوارع وحدائق نظيفة جميلة لم يمض على تنظيفها وتجميلها إلا أيام حتى أصبحت ملوثة بفضلات أهلها، نحن في حاجة إلى تربية مستمرة للحفاظ على نظافة بيئتنا، ولن نحافظ على بيئتنا إلا بتنظيف فكرنا وأخلاقنا، فالغالب أن الناس لم يستوعبوا بعد أن البيئة ملك الجميع، إذ مازال الناس ينظرون إلى الأماكن العمومية بأنانية ، هذه الأنانية تسوق البعض إلى تلويثه عن قصد أو عن غير قصد، فمادام ملك الجميع وليس ملكه الخاص، تأمره الأنانية أن يستغله استغلالا فاحشا.

في سياق الحديث عن البيئة الفكرية لا بد من الحديث عن فكر آخر ألا وهو فكر الانتقام والتمرد، ومظهر هذا الفكر أن تجد من الناس من يتعمد تلويث الأماكن العمومية وتخريبها، إذ يرى هؤلاء أن الكراسي التي نصبت في الحدائق العمومية مثلا هي تبذير للمال العام، فيسعون إلى الانتقام بكل أشكال التلويث بكتابة كلمات ساقطة، بالتغوط فيها...لا أظن أن التربية في المدرسة وحملات التوعية كافية للحفاظ على البيئة، ربما نحتاج إلى زجر وردع عسى أن يصبح الحفاظ على بيئتنا عادة من عادات المغاربة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire